السلام عليكم ورحمة الله وبركاته








http://www.al-jazirah.com.sa/writers/photos/1539.jpg




أثمن ممتلكاتك!
د. خالد بن صالح المنيف





بعد أن ضرب المدرب المشهور جون ماكسويل موعدا مع إحدى الشركات لتقديم دورة حول الذكاء الأخلاقي التي جمعت لها موظفيها من كل أنحاء الولايات المتحدة، جاءه اتصال من البيت لإبلاغه بموعد لقاء مع الرئيس، وقد صادف أنه في نفس موعد الدورة، ومثل تلك اللقاءات لا تتكرر، وقد كان في حيرة شديدة وكان الخيار الأقرب هو الاعتذار من الشركة وترحيل موعد الدورة، ولكن فضل الخيار الأصعب وهو الاعتذار من البيت الأبيض وعدم تأجيل الدورة، وكان يدفعه لهذا المحافظة على سمعته التي بناها وذكره الطيب الذي غرس بذوره وتعاهد زرعه من عشرات السنوات!


يقول برايان تريسي في جملة تستحق منا التوقف والتأمل فيها: إن سمعتك أهم مقتنياتك ورأس مالك الحقيقي فاصنعها وحافظ عليها!! ويقول صاحب كتاب سلطان القوة: إن أثمن ما تملك هو سمعتك فقاتل من أجل الحفاظ عليها!!

والسمعة تعرف بأنها نوعية حديث الناس عنك حال غيابك، والسمعة الطيبة والأثر الطيب والذكر الجميل تصنع فارقا عظيما في الحياة، فكم من شخص تومئ إليه الأصابع ويرمى بالإبصار رفع من قدر أسرته وأعلى من شأن قبيلته بالسمعة الطيبة، فلربما يخسر الإنسان ثروته وقد يفقد عزيزا وتبقى فرص التعويض والسلوان كبيرة، أما فقدان السمعة فهي فقدان كل شيء... فكم من شخص ضمه القبر وما زالت ذكراه خالدة في نفوس الذين يقدرون قيمة الإنسان بما يتركه وراءه من مآثر حميدة وصفات نبيلة.

رب حي رخام القبر مسكنه

ورب ميت على أقدامه انتصب

والسمعة مهمة حتى على صعيد المنتجات التجارية، فيكفي أن يوضع اسم سوني على جهاز يشابه آخر بالمواصفات فترتفع القيمة بنسبة 30 - %40.

إن أول ما يتجه إليه الخصوم هو السمعة فما إن تضعف أو تضيع حتى يصبح الفرد صيدا سهلة وفريسة سهلة لخصومه، وعكسها تفعل السمعة الحسنة فهي تكبل الخصوم وترعبهم، ففي المعارك التي دارت رحاها في الصحراء الغربية اكتسب الجنرال ارون روميل الشهير بثعلب الصحراء سمعة في المكر والدهاء، حتى بلغت أنها تصيب خصومه بالإعياء والرعب حتى عندما تناقصت قواته واستنزفت قدراتها، كانت جيوش بكاملها تنسحب عند سماع اقترابه منها!

والكثير من التجار الكبار لم تسعفهم لحظات انكسارهم ويمدهم بالسيولة من البنوك والتجار إلا سمعتهم الطيبة, فالسمعة والذكر محصلة العمل وثمرة التصرفات، فإما أن تكون ثمرة حلوة لذيذة يفرح بها في دنياه ويبشر بها في أخراه، وإما أن تكون مُرّة علقما تضره في الدنيا وتؤلمه في الأخرى.

أثنى الناس بين يدي رسول الله على صاحب جنازة مرت فقال: وجبت، ثم مرت جنازة أخرى فذموها فقال: وجبت. فلما سألوه عن قوله: وجبت للأولى والثانية قال: وجبت الجنة للأول ووجبت النار للآخر. أنتم شهداء الله في أرضه.

وأعظم الناس وأعلاهم قدرا هو من يذكره الجميع وحتى أعداؤه وخصومه بالخير وما كان هذا إلا لقلة في التاريخ وعلى رأسهم سيد بني آدم - اللهم صلِّ وسلم عليه - الذي لم يتردد الكفار من ذكره بالخير في نواديهم.

والوسيلة الأهم في بناء سمعة طيبة وترك أثر طيب أن يكون الإنسان صادقا مع نفسه ومستعدا للتخلق بخلق الأمانة والصدق في جميع المواقف وتحت ضغط أحلك الظروف، إضافة إلى الأعمال الخالدة والآثار الباقية وكتب شكسبير قديما: كن صادقا مع نفسك أولا ومثلما يتبع الليل النهار فستصبح صادقا مع الجميع!

السمعة هي رأس مالك وثروتك وأغلى ممتلكاتك، فيجب عليك أن تبنيها بإخلاص وتحافظ عليها وتحميها بتفانٍ وهي أشبه بصندوق مليء بالجواهر الثمينة والأحجار الكريمة يجب المحافظة عليه وحمايتها، فانأى بنفسك عن أي تصرف سخيف أو سلوك شائن فما يبنى في عشرين سنة ربما يهدم في لحظة، واحذر من التورط في معارك جانبية مع الذين لا يملكون شيئا يخشون فقده؛ لذا فهم مستعدون لاستخدام أقذر الأسلحة واقلها نزاهة معك مما قد ينال من سمعتك !

ومضة قلم:

إنه أسهل على المرء أن يعيش بين الناس بضمير فاسد من أن يعيش بسمعة سيئة!!